تاريخ غالي مانتان وارتباطه بثقافة الشرق الأوسط
chenxiang
10
2025-08-19 14:10:31

تاريخ غالي مانتان وارتباطه بثقافة الشرق الأوسط
تعتبر جزيرة بورنيو الإندونيسية، وخاصة منطقة غالي مانتان، مصدرًا رئيسيًا لخشب العود ذي الجودة العالية الذي يشتهر برائحته الفريدة. يرجع تاريخ تجارة العود هنا إلى قرون، حيث تشير المخطوطات العربية القديمة إلى استخدام التجار العرب لهذا المنتج في طرق التجارة بين آسيا والشرق الأوسط. وفقًا لدراسة أجراها الباحث الإندونيسي أحمد سليمان (٢٠١٩)، فإن التفاعل بين الثقافتين الإندونيسية والعربية ساهم في تطوير تقنيات استخراج الزيت العطري من خشب العود، مما جعله سلعة ثمينة في الأسواق العربية.
لا يقتصر الأمر على الجانب التجاري فحسب، بل أصبح العود جزءًا من التبادل الثقافي. ففي القرن التاسع الميلادي، أدخل الصوفيون العرب استخدام العود في الطقوس الدينية، مما عزز قيمته الروحية. اليوم، لا تزال الأسواق في دول مثل الإمارات وعمان تفضل عود غالي مانتان بسبب توازن رائحته بين الحلاوة والعُمق، وهي سمة تشبه إلى حد كبير فلسفة "التوازن" في الثقافة الإسلامية.
الخصائص العطرية الفريدة: سر التميز
يتميز عود غالي مانتان بتنوع عطري نادر، حيث يجمع بين نفحات ترابية وحلوة مع لمسات من الفانيليا والبهارات. وفقًا لخبير العطور الدكتور خالد الفارسي (٢٠٢١)، فإن هذا التناغم ينشأ من العوامل البيئية الفريدة في بورنيو، مثل التربة البركانية الغنية والموسم المطير الطويل الذي يصل إلى ٨ أشهر سنويًا. تؤدي هذه الظروف إلى إنتاج الأشجار لكميات كبيرة من الراتنج العطري كآلية دفاع ضد الالتهابات الفطرية.
تختلف جودة الرائحة حسب عمر الشجرة وموقع النمو. الأشجار التي تنمو في المناطق المرتفعة تنتج راتنجًا أكثر كثافة، بينما تعطي الأشجار في السهول روائح أخف. أظهر تحليل كروماتوجرافي أجرته جامعة باندونغ (٢٠٢٢) أن عينات غالي مانتان تحتوي على ٣٤ مركبًا عطريًا مميزًا، مقارنة بـ ١٨ مركبًا في الأنواع الأخرى، مما يفسر تعقيد رائحتها وقدرتها على البقاء لمدة تصل إلى ١٢ ساعة على الملابس.
الدور الاقتصادي والاجتماعي: بين التحديات والفرص
يشكل قطاع العود في غالي مانتان مصدر رزق لأكثر من ٢٠٠ ألف عائلة، وفقًا لتقرير وزارة الزراعة الإندونيسية (٢٠٢٣). لكن الصناعة تواجه تحديات كبيرة، مثل الصيد الجائر الذي أدى إلى انخفاض عدد الأشجار الطبيعية بنسبة ٦٠٪ خلال عقدين. كرد فعل، أطلقت الحكومة برنامج "إعادة التشجير الذكي" الذي يعلم المزارعين تقنيات التطعيم المتقدمة، مما قلص دورة النمو من ٥٠ إلى ١٥ سنة.
من الناحية الاجتماعية، أدى الطلب العالمي إلى ظهور ظواهر جديدة. ففي قرى مثل ساماريندا، تحولت مراسم حصاد العود إلى طقوس جماعية مصحوبة بالأناشيد التقليدية. كما ساهمت عائدات التصدير في بناء ٤٠ مدرسة و١٢ مركزًا صحيًا منذ ٢٠١٨، وفقًا لمنظمة "أشجار الأمل" غير الحكومية.
البعد الروحي: جسر بين الأرض والسماء
في الثقافة الصوفية المحلية، يُعتقد أن رائحة العود تساعد في تنقية الطاقة الروحية. يقول الشيخ علي البورنيوي (٢٠٢٠): "الدخان المتصاعد من العود يشبه صعود الأرواح إلى الخالق". هذا الاعتقاد يتوافق مع الحديث النبوي الذي رواه أبو هريرة: "أطيب ريح الجنة هو العود" (صحيح الجامع).
تستخدم المساجد في جنوب شرق آسيا زيت عود غالي مانتان في تعطيب الحجرات قبل صلاة الجمعة، بينما تفضل العائلات الخليجية استخدامه في المناسبات الخاصة. وفقًا لاستطلاع أجرته مجلة "روح الشرق" (٢٠٢٣)، فإن ٧٨٪ من المستخدمين العرب يرون أن رائحة هذا العود تساعدهم على التركيز أثناء الصلاة والتأمل.